اخر خبرمنوعات

الشيخ جمال فراج يكتب دين الإنسانية في أسمى معانيها ” حرمة الدماء والأموال والأعراض ” في ضوء خطبة حجة الوداع

رعايةُ الحرماتِ في ضوءِ خُطبةِ الوداعِ.. التحذيرُ مِن انتهاكِ الحرماتِ. .خصائصُ وفضائلُ يومِ عرفةَ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أما بعدُ:

أولًا: رعايةُ الحرماتِ في ضوءِ خُطبةِ الوداعِ.

لقد خطبَ الرسولُ ﷺ في يومِ عرفةَ خطبةً بليغةً جامعةً مانعةً، ودَّعَ فيهَا أصحابَهُ، وأكّدَ فيهَا على الحرماتِ فقالَ: « إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ».(متفق عليه). ومِن أهمِّ هذه الحرماتِ:

حرمةُ الدماءِ: حيثُ أكّدَ  على حرمةِ الدماءِ وشدّدَ على ذلك أيّمَا تشديدٍ في أحاديثَ كثيرةٍ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ……» (متفق عليه)، وقد نظرَ ابنُ عمرَ إلى الكعبةِ حيثُ الجمالُ والجلالُ والكمالُ والهيبةُ والحرمةُ فقالَ: ما أعظمَكِ! وما أشدَّ حرمتَكِ، وواللهِ للمسلمِ أشدُّ حرمةً عندَ اللهِ منكِ. وقالَ ابنُ عمرَ: ” إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ “. (البخاري).  وعن ابنِ عمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ :” لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا “(البخاري).  وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ” لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ “. (متفق عليه). وهكذا أكّدَ الرسولُ  على حرمةِ الدماءِ وصيانتِهَا مِن كلِّ غدرٍ أو اعتداءٍ.

ومنهَا: حرمةُ الأموالِ: فقد حرّمَ الإسلامُ كلَّ طريقةِ تعدٍّ على مالِ الآخرين، سواءٌ كان ذلك بالاختلاسِ، أو الحرابةِ، أو السرقةِ، أو غيرِ ذلكَ مِن الطرقِ التي حرّمَهَا الإسلامُ، وجعلَ الحدودَ زجرًا وردعًا للآخرين، وعظَّمَ جريمةَ السرقةِ، فجعلَ عقوبتهَا القطعَ، فقالَ تعالَى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ } [المائدة: 38].ونهَى عن الغَصْبِ والخيانةِ، ووبَّخَ مَن فَعَلَ ذلكَ، وجعلَ لهَ عقوبةً رادعةً، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }. [النِّسَاء: 29].

ولحرمةِ المالِ شرعَ للإنسانِ الدفاعَ عن مالِهِ مِن الاعتداءِ عليهِ بأيةِ صورةٍ مِن الصورِ السابقةِ، واعتبرَهُ شهيدًا إنْ ماتَ دفاعًا عن مالِهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ  ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ». (مسلم)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ  يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (متفق عليه).

وإذا كان الإسلامُ جعلَ لمالِ الإنسانِ الخاصِّ حرمةً وقداسةً، فإنّهُ لم يغفلْ عن حرمةِ المالِ العامِّ، بل أعلَى مِن شأنِ هذه الحرمةِ فجعلَهَا أشدَّ حرمةً مِن المالِ الخاصِّ، وعنيَ عنايةً عظيمةً بالمحافظةِ على أموالِ المسلمين، وأمَرَ بصيانَتِهَا، وحرَّمَ التعدِّي عليهَا، ولو كانَ شيئًا يسيرًا، وفي ذلكَ يقولُ النبيُّ : ” مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. ( مسلم ) .

ومنها: حرمةُ أعراضِ المسلمين: فالإسلامُ قد حمَى الأعراضَ وصانَهَا، وحرّمَ الاعتداءَ عليهَا بالإيذاءِ أو النظرِ أو القذفِ، وجعلَ مَن يُقتَلُ دفاعًا عن عرضِهِ شهيدًا، أو بمنزلةِ الشهيدِ، فقالَ : “ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ” ( أبوداود والترمذي والنسائي) . وتوعدُ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى الذين يحبونَ أنْ تشيعَ الفاحشةُ في المؤمنينَ بالعذابِ الأليمِ، فقالَ سبحانَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}(النور: 19)، وحرمةُ الأعراضِ -عبادَ اللهِ- حرمةٌ عظيمةٌ، وصدقَ مَن قالَ:

والمالُ يغشَى أُناسًا لا طَبَاخَ لهُم         كالسيلِ يغشَى أُصولَ الدِّندِنِ البالِي

أصـونُ عرضِي بمالِي لا أدنسُهُ          لا باركَ اللهُ بعدَ العرضِ في المالِ

كما أوجبَ الإسلامُ على المسلمِ الدفاعَ عن عرضِ أخيهِ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ». ( أحمد والترمذي وحسنه).

ثانيًا: التحذيرُ مِن انتهاكِ الحرماتِ.

ينبغِي على المسلمِ  تجاهَ هذه الحرماتِ – ونحن في أفضلِ أيامِ الدنيا – أنْ يعظمَ الشعائرَ والحرماتِ؛ لأنَّ تعظيمَ الشعائرِ مِن تقوَى القلوبِ، قالَ تعالَى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (الحج: 32)، وكذلكَ تعظيمَ الحرماتِ؛ لأنَّ أمرَهَا جاءَ مِن اللهِ، قالَ تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (الحج: 30)، وإذا كانَ الفردُ يقدسُ الأوامرَ البشريةَ ولا تسولُ له نفسُهُ أنْ يقصرَ فيها، فمِن بابِ أولَى أنْ يعظمَ الأوامرَ الإلهيةَ لكونِهَا صادرةً مِن عظيمٍ، كما قالَ قتادةُ:” عَظِّمُوا ما عظمَ اللهُ، فإنَّمَا تُعَظَّمُ الأمورُ بما عظمَهَا اللهُ بهِ عندَ أهلِ الفهمِ وأهلِ العقلِ”.( تفسير ابن كثير).

كمَا يجبُ عليكَ أنْ تكونَ وقَّافًا عندَ حدودِ اللهِ وفرائضِهِ وحرماتِهِ: قالَ : «إِنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَكِنْ رَحْمَةٌ مِنْهُ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا فِيهَا».( أخرجه الحاكم وصححه). مع التنبيهِ على أنَّ انتهاكَ الحرماتِ زوالٌ لكلِّ حسناتِكَ ولو كانتْ كالجبالِ. فَعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا.(ابن ماجة بسند صحيح).

فاحذرْ أنْ تسولَ لكَ نفسُكَ بانتهاكِ الحرماتِ ونحنُ في الأشهرِ الحرمِ، فإنَّ ذلك زوالٌ لحسناتِكَ.

ثالثًا: خصائصُ وفضائلُ يومِ عرفةَ.

أيُّهَا الإخوةُ المسلمون: إذا كنَّا قد تكلمنَا عن رعايةِ الحرماتِ مِن خلالِ خُطبةِ الوداعِ، فلا يفوتُنَا في هذا المقامِ أنْ نذكرَ فضلَ هذا اليومِ الأغرِّ الميمونِ الذي قِيلَتْ فيهِ هذه الخطبةُ وهو يومُ عرفةَ.

فيومُ عرفةَ قد أكملَ اللهُ فيه الدينَ وأتمّ علينَا النعمةَ، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا؛ قَالَ أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا }[المائدة:5]. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ؛ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.”(متفق عليه).

وقد تضافرتْ النصوصُ النبويةُ في كثرةِ المغفرةِ والعتقِ مِن النيرانِ في يومِ عرفةَ، فعن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ:” مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟” (مسلم). وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، قال : قال رسولُ اللهِ  : « إنّ اللهَ يُباهِي بأهلِ عرفاتٍ أهلَ السماءِ فيقولُ لهم : انظرُوا إلى عبادِي جاءونِي شُعثًا غُبرًا » « البيهقى وابن حبان وابن خزيمة والحاكم وصححه». وعن أنسِ بنِ مالكٍ قال : ” وقفَ النَّبيُّ  بعرفاتٍ وقد كادت الشَّمسُ أن تَؤوبَ فقال: يا بلالُ أنصِتْ لي النَّاسَ. فقام بلالٌ فقال: أنصِتوا لرسولِ اللهِ ؛ فأنصتَ النَّاسُ فقال: معشرَ النَّاسِ أتاني جبرائيلُ عليه السَّلامُ آنفًا فأقرأني من ربِّي السَّلامُ وقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غفر لأهلِ عرفاتٍ وأهلِ المَشعَرِ وضمِن عنهم التَّبِعاتِ. فقام عمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه فقال: يا رسولَ اللهِ هذا لنا خاصَّةً؟! قال: هذا لكم ولمن أتَى من بعدِكم إلى يومِ القيامةِ. فقال عمرُ رضِي اللهُ عنه: كثُر خيرُ اللهِ وطاب. ” ( الترغيب والترهيب للمنذري).

وعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ”: مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ؛ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ. قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ.” (مالك والبيهقي).

وفي الختام: يجبُ على المسلمِ في يومِ عرفةَ حتى يكونَ مِن الفائزين، عدةُ أمورٍ:

منها: الإكثارُ مِن الدعاءِ وسؤالِ حاجتِه في هذا اليومِ الأغرِّ المباركِ: فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.” ( الترمذي وحسنه).

ومنها: صيامُ يومِ عرفةَ: وهو يومُ الحجِّ الأكبرِ، ويومُ مغفرةِ الذنوبِ، ويومُ العتقِ مِن النيرانِ، ولو لم يكنْ في عشرِ ذي الحجةِ إلّا يومُ عرفةَ لكفانَا ذلك فضلًا، فعن أبي قتادةَ الأنصاريِّ رضي اللهُ عنه قال: سُئِلَ رسولُ اللهِ  عن صومِ يومِ عرفةَ ؟ فقال ” صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ.”( مسلم)؛ وهذا لغيرِ الحاجِّ، أمّا الحاجُّ فلا يُسنُّ له صيامُ يومِ عرفةَ؛ لأنّهُ يومُ عيدٍ لأهلِ الموقفِ.

ومنها: حفظُ الجوارحِ: يجبُ على المسلمِ أنْ يحفظَ سمعَهُ وبصرَهُ ولسانَهُ وجميعَ جوارحِهِ في هذا اليومِ.

فعلينا أنْ نحفظَ جوارحَنَا في هذه الأيامِ المباركةِ، وأنْ نجتهدَ في الطاعةِ، فالحسناتُ مضاعفةٌ لحرمةِ الزمانِ والمكانِ، كما يجبُ علينا أنْ نبتعدَ عن الذنوبِ والمعاصي؛ لأنَّ العقابَ مضاعفٌ أيضًا لحرمةِ الزمانِ والمكانِ.

ومنها: القيامُ بحقوقِ اللهِ على العبدِ: يقولُ أحدُ السلفِ: ” مَن فاتَهُ في هذا العامِ القيام بعرفةَ فليقمْ للهِ بحقّهِ الذي عَرَفَه، ومَن عجزَ عن المبيتِ بمزدلفة، فليُبيِّت عزمَهُ على طاعةِ اللهِ وقد قرَّبَهُ وأزلفَهُ، ومَن لم يقدرْ على نحرِ هديهِ بمنَى فليذبحْ هواهُ هنا وقد بلغَ المُنى، ومِن لم يصلْ إلى البيتِ لأنّه منهُ بعيد، فليقصدْ ربَّ البيتِ فإنّه أقربُ إليه مِن حبلِ الوريد “. ( لطائف المعارف لابن رجب).

أيُّهَا الإخوةُ المسلمون: نذكركُمْ بشعيرةِ الأضحيةِ، فهي سنةٌ مؤكدةٌ عن النبيِّ ، وذبحُ الأضاحِي يكونُ بعدَ صلاةِ العيدِ مباشرةً، لقولهِ تعالى: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }(الكوثر: 1- 3)، وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» (متفق عليه). ووقتُ الذبحِ أربعةُ أيامٍ، يومُ النحرِ وثلاثةُ أيامِ التشريقِ، لما ثبتَ عن النبيِّ  أنّهُ قال: “كلُّ أيامِ التشريقِ ذبحٌ” .( ابن حبان وأحمد والبيهقي). كما يستحبُّ ألّا يأكلَ حتى يرجعَ مِن الصلاةِ فيأكلَ مِن أضحيتهِ إنْ كانَ لهُ أضحيةٌ، فإنْ لم يكنْ لهُ مِن أضحيةٍ فلا حرجَ أنْ يأكلَ قبلَ الصلاةِ، فقد “كان رسولُ اللهِ  لا يطعمُ حتى يرجعَ مِن المصلَّى فيأكلُ مِن أضحيتهِ” [أحمد والبيهقي].

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حج بيته الحرام ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى