المراة

الشيح جمال فراج يكتب الدفاع عن الأوطان بين الواجب العيني والكفائي وعِظم الجزاء في خطبة الجمعة

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ .

أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الدفاعِ عن النفسِ والوطنِ.

لقد حثَّنَا الشارعُ الحنيفُ على الدفاعِ عن الدينِ والنفسِ والوطنِ، وأعدَّ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى الجزاءَ الأوفَى لكلِّ مَن يرابطُ دفاعًا عن وطنِهِ أو دينِه أو مالِه ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا».(البخاري).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ حَارِسٌ حَرَسَ فِي أَرْضِ خَوْفٍ، لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ». (النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

كما وعدَ اللهُ الجنودَ المرابطينَ الذين يسهرونَ ليلَهُم في حراسةِ هذا الوطنِ والدفاعِ عنه وحمايةِ منشآتِهِ، بأنَّ أعينَهُم لا تمسُّهَا النارُ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ” عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “. (الترمذي بسند صحيح).

فهنيئًا الشهادةُ والجنةُ للشهداءِ الأبرارِ، قالَ : “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( الترمذي وحسنه)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ  ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ». (مسلم).

وهكذا أمرَنَا الشارعُ الحكيمُ بالدفاعِ عن دينِنَا ووطنِنَا وأموالِنَا ومقدساتِنَا .

ثانيًا: دفاعُ الرسولِ  والصحابةِ الكرامِ عن وطنِهِم.

لمَّا هاجرَ الرسولُ  مِن مكةَ إلى المدينةِ، قامَ سكّانُ المدينةِ المنوّرةِ المسلمونَ مِن المهاجرينَ والأنصارِ بمعاهدةِ النبيِّ  على التأهّبِ للخروجِ معهُ للدفاعِ عن المدينةِ المنوّرةِ في حالِ إذا وقعَ عليها اعتداءٌ خارجيٌّ يهدّدُ أمنهَا وأمانَهَا، ونَتَجَ عن ذلك جيشٌ يحاربُ ضدّ أي خطرٍ يهدّدُ الإسلامَ ومدينتَهُ المنوّرةَ، ورغمَ قلّةِ أعدادِهِم إلّا أنّهُم حققُوا هدفَهُم في حمايةِ دينِهِم ووطنِهِم ومدينتِهِم، وهذانِ مثالانِ على ذلك:

المثالُ الأولُ: دفاعُ الرسولِ  والصحابةِ عن وطنِهِم في غزوةِ بدرٍ.

قال ابنُ هشامٍ: ” لمَّا أتَى الرسول  خَبَرُ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، اسْتَشَارَ النَّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمَّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاَللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ (موضع باليمن) لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ، حَتَّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَتَخَوَّفُ أَلَّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوٍّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُول الله  ، قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَجَلْ، قَالَ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنحْن مَعَك، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا، إنَّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ. لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ  بِقَوْلِ سَعْدٍ، وَنَشَّطَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ.(سيرة ابن هشام).

وكان النصرُ حليفَ المسلمينَ مع قلةِ عددِهِم، وبذلك دافعُوا عن دينِهِم ووطنِهِم.

المثالُ الثاني: دفاعُ الرسولِ  والصحابةِ عن وطنِهِم في غزوةِ أُحدٍ. و(مُشَاوَرَةُ الرَّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ) :” قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قال  لأصحابه: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا، وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللَّهِ ، يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَلَّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَكْرَهُ الْخُرُوجَ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّنْ أَكْرَمَ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا، لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تخرج إِلَيْهِم، فو الله مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوٍّ لَنَا قَطُّ إلَّا أَصَابَ مِنَّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلَّا أَصَبْنَا مِنْهُ، فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرِّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ، وَرَمَاهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا. فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ ، الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبُّ لِقَاءِ الْقَوْمِ، حَتَّى دَخَلَ  بَيْتَهُ، فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ النَّاسُ، وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ. فَلَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ  ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتَكْرَهْنَاكَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذَا لَبِسَ لَأَمْتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ  فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالرَّيْبِ”.(سيرة ابن هشام). وكذلك كان النصرُ في النهايةِ حليفَ المسلمينَ، دفاعًا عن وطنِهِم.

ثالثًا: وسائلُ الدفاعِ عن الأوطانِ بينَ الواجبِ العينِي والكفائِي.

هناك عدةُ وسائلٍ للدفاعِ عن الأوطانِ بينَ الواجبِ العينِي على كلِّ فردٍ بعينِه، وبينَ الواجبِ الكفائِي على الجميعِ:  

منها: نشرُ الوعىِ بقيمةِ الوطنِ:

وذلك بالحفاظِ على معالمِهِ وآثارهِ ومنشآتهِ العامةِ والخاصةِ، والحفاظِ على مياهِ نيلهِ التي تربينَا عليهِ وروينَا منها أكبادنَا، وعدمِ الإفسادِ في أرضهِ، أو تخريبهِ وتدميرهِ، وعدمِ قتلِ جنودهِ وحراسهِ الذين يسهرونَ ليلَهُم في حراسةِ أراضينَا!! والذين تمتدُّ إليهم يدُ الغدرِ والخيانةِ بينَ الحينِ والحينِ!!

 فعن الأصمعِي قال: ” إذا أردتَ أنْ تعرفَ وفاءَ الرجلِ ووفاءَ عهدهِ، فانظرْ إلى حنينهِ إلى أوطانهِ، وتشوُّقهِ إلى إخوانهِ، وبكائهِ على ما مضًى مِن زمانهِ.” ( الآداب الشرعية لابن مفلح) .

ومنها: إعدادُ القوةِ حذرًا مِن غاراتِ الأعداءِ:

قالَ تعالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ…} [الأنفال: 60). فقد ” أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِإِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ لِمُقَاتَلَتِهِمْ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} أي: تُخيفونَ بتلك القوةِ الكفارَ أعداءَ اللهِ وأعداءَكُم {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} أي: وترهبونَ بهِ آخرينَ غيرَهُم”. (صفوة التفاسير).

ومنها: التثبتُ مِن الأخبارِ وعدمُ نشرِ الإشاعاتِ:

لأنَّ الشائعاتِ مِن الأمراضِ الاجتماعيةِ المدمرةِ، وقد أمرنا الله تعالَى بالتثبت من الأخبار فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

إنَّ ضررَ الشائعاتِ يعدُو مِن الضررِ الفردِي إلى ضررِ اجتماعِي عام، وقد رأينَا كيف تحولتْ بعضُ الكلماتِ الصغيرةِ إلى شائعاتٍ، ثم إلى أحداثٍ، ثم إلى دماءٍ وأشلاءٍ، ثم إلى تأخيرٍ في نهضةِ هذا الوطنِ وانبعاثِ حضارتِه.

ومنها: التجردُ مِن الوهنِ والضعفِ:

فالعبرةُ بالقوةِ الروحيةِ والمعنويةِ، وليستْ بالكثرةِ العدديةِ كالغثاءِ لا وزنَ لهَا ولا مهابةَ، فَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». فَقَالَ قَائِلٌ: أَوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: «بَلْ أَنْتُم يَوْمئِذٍ كثير وَلَكِن غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ؛ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ؛ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ». قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». ( أبو داود والبيهقي بسند صحيح).

ومنها: الاصطفافُ والاجتماعُ :

فنجتمعُ جميعًا – شعوبًا ودولًا عربيةً وإسلاميةً حكامًا ومحكومين- على قلبِ رجلٍ واحدٍ لحمايةِ أراضِينَا ومقدساتِنَا؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ :” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ , وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ … “. ( أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه). يقولُ ابنُ عبدِ البرِّ: ” ومعنى قولِهِ ( وهم يدٌ على مَن سواهُم): أنَّ أهلَ الحربِ إذا نزلُوا بمدينةٍ أو قريةٍ مِن قرَى المسلمين فواجبٌ على جماعةِ المسلمينَ أنْ يكونُوا يدًا واحدةً على الكفارِ حتى ينصرفُوا عنهم “. ( الاستذكار ) .

ومنها: الدعاءُ:

فهو سلاحُ المؤمنِ، وما انتصرَ رسولُ اللهِ  في جميعِ غزواتِه إلّا بهذا السلاحِ القويِّ، وليست غزوةُ بدرٍ عنَّا ببعيدٍ، فالنبيُّ  ظلَّ يدعُو ربَّهُ تعالَى رافعًا يديهِ خاشعًا متذللًا حتى سقطَ رداؤُه عن منكبيهِ، وأمدَّهُ اللهُ بمددٍ مِن الملائكةِ وكان النصرُ مِن عندِ اللهِ، والقصةُ كاملةٌ في صحيحِ مسلمٍ.

ألَا فلنحتدْ جميعًا مِن أجلِ حمايةِ مجتمعِنَا ووطنِنَا، مِن أجلِ حمايةِ مصرنَا، مِن أجلِ حمايةِ مقدساتِنَا، مِن أجلِ حمايةِ أقصانَا، مِن أجلِ بناءِ حضارتِنَا، بعيدينَ عن التفرقةِ، عن التشرذمِ، عن التحزبِ، عن التشتتِ، حتى نحققَ آمالَنَا، ويعلُو بنيانُنَا ، ونبلغُ منانَا ؛؛؛؛؛؛

وفي الختامِ تحيةٌ عطرةٌ لأرواحِ الشهداءِ الأبرارِ، الذين ضحُّوا بأرواحِهِم دفاعًا عن دينِهِم ووطنِهِم وبلادِهِم.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا عيشَ السعداءِ، وميتةَ الشهداءِ، ومرافقةَ الأنبياءِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا ومقدساتِنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى