اخر خبرالمقالات

الشيخ جمال فراج يكتب .. حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهله .. في خطبة الجمعة

ومما يؤسفُ لهُ في واقعِ الناسِ المريرِ، أنَّك تجد الشخصَ مع زملائِهِ وأصحابِهِ مسرورًا سعيدًا مبتسمًا بشوشًا، فإذا رجعَ إلى أهلِهِ ودخلَ منزلَ الزوجيةِ والأهلِ تجدهُ عابسًا كئيبًا حزينًا، وهذا مخالفٌ لهديِ النبيِّ ﷺ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

أولًا: خيرُكُم خيرُكُم لأهلِهِ.
هذا جزءٌ مِن حديثٍ نبويٍّ شريفٍ يبينُ فيهِ النبيُّ ﷺ أنَّ أفضلَ الناسِ وأخيرَهُم وأحسنَهُم عندَ اللهِ وعندَ الناسِ هو مَن يعاملُ أهلَهُ معاملةً حسنةً طيبةً، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ». (ابن حبان والترمذي وصححه). يقولُ صاحبُ تحفةِ الأحوذِي في شرحِهِ لهذا الحديثِ:” قولُهُ: خيرُكُم خيرُكُم لأهلِه: أي لعيالِه وذوِي رحمِهِ، وقيلً لأزواجِهِ وأقارِبِه، وذلك لدلالتِهِ على حسنِ الخلقِ، “وأنا خيرُكُم لأهلِي” فأنَا خيرُكُم مطلقًا، وكان أحسنَ الناسِ عشرةً لهم، وكان على خلقٍ عظيمٍ.”

ومما يؤسفُ لهُ في واقعِ الناسِ المريرِ، أنَّك تجد الشخصَ مع زملائِهِ وأصحابِهِ مسرورًا سعيدًا مبتسمًا بشوشًا، فإذا رجعَ إلى أهلِهِ ودخلَ منزلَ الزوجيةِ والأهلِ تجدهُ عابسًا كئيبًا حزينًا، وهذا مخالفٌ لهديِ النبيِّ ﷺ.

أمَّا عن حالهِ ﷺ مع أهلِهِ، تصورُهُ لنَا السيدةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فتقول: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».(مسلم). وعَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ». (البخاري). وعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: «مَا يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَرْقَعُ دَلْوَهُ». (ابن حبان بسند صحيح).

كما كان النبيُّ ﷺ كثيرَ الاهتمامِ والعنايةِ بأبنائهِ، وقد زخرتْ كتبُ السيرةِ النبويةِ بمواقفَ كثيرةٍ تؤكّدُ هذا.

وقد جاء الحديثُ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يُبيّنُ حالَ النبيِّ ﷺ مع ابنتهِ فاطمةَ واحترامَهُ لهَا وإكرامَهُ إيّاهَا، حيثُ تقولُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا» قَالَتْ: «وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا». (الترمذي والحاكم وصححه).

ومن مَحبّتِهِ لبناتِهِ أيضًا أنّهُ كان يهتمُّ بشؤونِهنَّ، ويحلُّ مشاكلَهنَّ، ومثالُ ذلك أنّ ابنتَهُ فاطمةَ جاءتْهُ يومًا تشكُو ممّا تجدهُ مِن جهدِ العملِ، فطلبتْ منهُ أنْ يُحضرَ لها خادمًا، فقال لها ولزوجِهَا: ” ألَا أدُلُّكُمَا علَى ما هو خَيْرٌ لَكُمَا مِن خادِمٍ؟ إذا أوَيْتُمَا إلى فِراشِكُمَا، أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُمَا، فَكَبِّرا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهذا خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ”. (البخاري). هذه هي أخلاقُ النبيِّ ﷺ مع أزواجهِ وبناتهِ وأهلِ بيتهِ، وقارنْ بينَ ذلك وبينَ ما يحدثُ في عصرِنَا مِن تدخلاتِ الأهلِ وفسادِ الحياةِ الزوجية؛، فلتكنْ لكم القدوةُ فيه ﷺ: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. (الأحزاب: 21).

ثانيًا: حالُ النبيِّ ﷺ مع أهلِه صورٌ ومواقف

إليكُم هذه الصورَ والمواقفَ مِن حالِ النبيِّ ﷺ مع أهلِهِ؛ لنأخذَ منهَا العبرةَ والعظةَ، ونطبقهَا عمليًّا على أرضِ الواقعِ، ونقارنَ بينهَا وبينَ ما يحدثُ في البيوتِ وبينَ الأزواجِ:

فقد كان ﷺ يعالجُ، المواقفَ بحكمةٍ ورجاحةِ عقلٍ، فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ”. (البخاري).

وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ، قَالَتْ لَهَا: ابْنَةُ يَهُودِيٍّ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ ﷺ: «وَمَا يُبْكِيكِ؟»، قَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لِنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَبِمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟» ثُمَّ قَالَ ﷺ: «اتَّقِ اللَّهَ يَا حَفْصَةُ».(ابن حبان بسند صحيح).

وفي الحديثِ تطييبٌ لخاطرِهَا، وبيانُ أنّهَا زوجةُ نبيٍّ ، وأنّها تنتسبُ إلى نبيَّينِ هما: موسَى وهارون عليهما السلام.

كما كان ﷺ يقضِي بعضَ أوقاتِهِ لملاعبةِ الزوجةِ وممازحتِهَا وملاطفتِهَا، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ وَهِيَ جَارِيَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ” تَقَدَّمُوا ” فَتَقَدَّمُوا , ثُمَّ قَالَ: ” تَعَالِ أُسَابِقْكِ ” , فَسَابَقْتُهُ, فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلِيَّ “، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ, خَرَجْتُ أَيْضًا مَعَهُ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ” تَقَدَّمُوا “, ثُمَّ قَالَ: “تَعَالِ أُسَابِقْكِ”، وَنَسِيتُ الَّذِي كَانَ, وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ “، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أُسَابِقُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ: ” لَتَفْعَلِنَّ ” فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي”، فَقَالَ: ” هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ “. (أبو داوود والنسائي بسند صحيح).

وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ” كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ “. (مسلم). وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ». (مسلم). ومعنى: (أتعرق العرق) :أي العظم الذي عليه بقية من لحم .

كما كان ﷺ حريصًا على دراسةِ نفسيةِ زوجاتِهِ وما يدورُ في أذهانِهِنَّ.

فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى» قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:” أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ؛ قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ”.(متفق عليه).

كما كان ﷺ حريصًا على رعايةِ مرضَى أهلهِ وتوفيرِ سبلِ العلاجِ والراحةِ لهم، وعلاجِهِم بالرقيةِ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي». (مسلم).

كما كان ﷺ حريصًا على قضاءِ وقتٍ للترفيهِ والنزهةِ لهنَّ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِدُفَّيْنِ، وَتُغَنِّيَانِ فِي أَيَّامِهِمَا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ ﷺ ثَوْبَهُ، وَقَالَ: “دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ”، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَامُوا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أنا الذي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ على اللهو”.(ابن حبان بسند صحيح).

كما كان ﷺ حريصًا على مواساةِ الزوجةِ ومسحِ دموعِهَا وتطييبِ خاطرِهَا. فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ: «حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا، (النسائي في الكبرى).

وأمّا عن حالهِ ﷺ مع طعامِ أهلِه، يصورُهُ لنَا أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فيقول: «مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ». (البخاري). قارن بين ذلك وبين ما يحدث في البيوت من الأزواج والأولاد !!

كما كان ﷺ حريصًا على إسعادِ أحفادِهِ والشفقةِ والرحمةِ بهِم، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ: ” صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ( التغابن: 15 )، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ”، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ. ( أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه )؛ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شَدَّادِ بن الْهَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فِي إِحْدَى صَلاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ، فَتَقَدَّمَ فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى، فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَجْدَةً فَأَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِيَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاجِدٌ، وَإِذَا الْغُلامُ رَاكِبٌ ظَهْرَهُ، فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، قَالَ نَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا، أَشَيْئًا أُمِرْتَ بِهِ، أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ:”كُلٌّ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ”.(أحمد والطبراني والحاكم وصححه)؛ وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: ” رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ ﷺ، عَلَى عَاتِقِهِ، ” فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا “. (مسلم).

ثالثًا: استوصُوا بالنساءِ خيرًا.

هذه هي وصيةُ النبيِّ ﷺ بالنساءِ في قولِهِ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». (متفق عليه). وفي روايةِ مسلمٍ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا». وعندَ ابنِ حبان: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ فَإِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا». قال الإمامُ النووي: “فيه الحثُّ على الرفقِ بالنساءِ والإحسانِ إليهِنَّ والصبرِ على عوجِ أخلاقهِنَّ، واحتمالِ ضعفِ عقولهِنَّ وكراهةِ طلاقهِنَّ بلا سببٍ، وأنَّه لا مطمعَ في استقامتِهِنَّ”، وقال القسطلاني: “في الحديثِ الندبُ إلى المداراةِ لاستمالةِ النفوسِ وتألفِ القلوبِ، وفيه سياسةُ النساءِ بأخذِ العفوِ عنهنَّ والصبرِ على عوجهِنَّ، فإنَّ مَن رامَ تقويمَهُنَّ فاتَهُ الانتفاعُ بهنَّ، مع أنَّه لا غنَى للإنسانِ عن امرأةٍ يسكنُ إليهَا ويستعينُ بهَا على معاش”.

وفي حجةِ الوداعِ يقولُ ﷺ: ” اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ”. (مسلم). كما أوصانَا ﷺ بالرفقِ بالقواريرِ حيثُ قالَ: «يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ». (متفق عليه).

«قال العلماء: سمَّى النساءَ قواريرَ؛ لضعفِ عزائمهِنَّ، تشبيهًا بقارورةِ الزجاجِ لضعفِهَا، وإسراعِ الانكسارِ إليهَا» [شرح النووي على مسلم]. فاتقوا اللهُ في أهليكُم وأزواجِكُم وأولادِكُم؛ فأنتُم مسئولونَ عنهم أمامَ اللهِ يومَ القيامةِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؛ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ( متفق عليه). وعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ».(النسائي وابن حبان بسند صحيح).

فعليكم التحملَ والصبرَ والرضا، فالميثاقُ الغليظُ الذي بين الزوجينِ يقتضِي أنْ يتحملَ كلٌّ منهما هفواتِ الآخر، يقولُ أبو الدرداءِ -رضي اللهُ عنه- لزوجتِهِ أمِّ الدرداء: ” إذا رأيتنِي غاضبًا فرضِّينِي، وإذا رأيتُكِ غضبَى رضَّيتُكِ. وإلّا لم نصطحبْ”. فبالودِّ والمسامحةِ والمحبةِ تدومُ العشرةُ، وبدونِهَا لا توجدُ ألفةٌ ولا عشرةٌ.

ولو أنّ كِلَا الزوجينِ وقفَ عندَ هفواتِ الآخرِ، ما استمرتْ الحياةُ، بل صارتْ إلى هدمٍ وزوالٍ، وما صارَ أحدٌ مع زوجتِهِ في المجتمعِ كلِّه، فلابدَّ لكلٍّ منهُمَا أنْ يتحملَ صاحبَهُ، حتى تستقرَّ الأسرُ والمجتمعُ.

فعلينَا أنْ نتنبَّهَ لذلك، وأنْ نتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }.(سورة النساء: 19). وقولَ الرسولِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ [أَيْ لاَ يُبْغِضْ] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».(مسلم). فاستوصوا بالنساء خيرا ؛ واتقوا الله في نسائكم وأهليكم وأولادكم.

نسألُ اللهَ أنْ يباركَ لنَا في أزواجِنَا وأبنائِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى