اخر خبرالمقالات

الشيخ جمال فراج يكتب : سيناء المباركة “المكان والمكانة” أرض الخير والنماء والتضحية والفداء.. خطبة الجمغة

مكانةُ سيناءَ في القرآنِ الكريمِ ..  جبلُ طورِ سيناءَ والتجلياتُ الربانيةُ .. واجبُنَا نحوَ سيناءَ المباركةِ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أمَّا بعدُ:

أولًا: مكانةُ سيناءَ في القرآنِ الكريمِ.

إنَّ سيناءَ لها مكانٌ ومكانةٌ عظيمةٌ في القرآنِ الكريمِ، فمِن حيثُ المكانِ والموقعِ تتميزُ بموقعِهَا الجغرافِي، حيثُ تقعُ عندَ مجمعِ وملتقَى بحرينِ عظيمينِ همَا: البحرُ الأحمرُ والبحرُ المتوسطُ. ولأهميةِ هذا الموقعِ ذكرَهُ القرآنُ الكريمُ في قصةِ سيدِنَا موسَى والخضرِ، قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (الكهف:60) . يقولُ الدكتور مُحمد سيّد طنطاوي رحمه اللهُ:” ومَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: المكانُ الذي فيه يلتقِى البحرُ الأحمرُ بالبحرِ الأبيضِ المتوسطِ. ومجمعهُمَا مكانُ التقائهِمَا في مجمعِ خليجَيْ العقبةِ والسويسِ في البحرِ الأحمرِ، وهذه المنطقةُ كانت مسرحَ تاريخِ بنى إسرائيلَ بعدَ خروجِهِم مِن مصرَ”. (التفسير الوسيط).

كما تقعُ سيناءُ عندَ ملتقَى قارتيْ آسيا وإفريقيا، وهذا الموقعُ المتميزُ جعلَهَا مطمعًا للغزاةِ عبرَ العصورِ والقرونِ.

أمّا سيناءُ مِن حيثُ المكانةِ والقدسيةِ والرفعةِ فقد حبَى اللهُ سيناءَ المباركةَ بعدةِ خصائصَ ومزايَا عديدةٍ:

منها: ذِكْرُهَا في القرآنِ الكريمِ: فهي أكثرُ منطقةٍ ذُكرتْ في القرآنِ الكريمِ، وذِكْرُ اللهِ لسيناءَ في القرآنِ الكريمِ فيه تعظيمٌ وتشريفٌ لها، وقد وردتْ سيناءُ في القرآنِ الكريمِ صراحةً مرتين، في قولِهِ تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} (المؤمنون: 20) ، وفي هذه الآيةِ امتنانٌ ببعضِ ما أنعمَ اللهُ بهِ وتفضلَ به علي العبادِ مِن أراضِي خصبةٍ ينبتُ بها الزروعُ والثمارُ وتجلبُ لهم الخيرَ والرزقَ طوالَ العام، وتميزُ أرضِ سيناءَ عن غيرِهَا، وقولِهِ تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (التين: 1 – 3).

وهناك مواضعٌ ذُكرتْ فيها سيناءُ ضمنًا، لا يتسعُ المقامُ لذكرِهَا.

ومنها: أنَّ اللهَ تعالى وصفَ سيناءَ بالأرضِ المقدسةِ والمباركةِ: قال تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}.( طه:11،12). وقال تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. (القصص:30). وقدسيتُهَا وبركتُهَا ممتدةٌ مِن قدسيةِ وبركةِ اللهِ تعالى لهَا.

ومنها: أنَّ سيناءَ هي الأرضُ التي مرَّ بها العديدُ مِن أنبياءِ اللهِ ورسلِهِ –عليهمُ السلامُ:

فسيناءُ بقعةٌ مباركةٌ مِن أرضِ مصرَ، شَرُفتْ جبالُهَا وأوديتُهَا وحباتُ رمالِهَا بوقعِ أقدامِ الأنبياءِ الذين اصطفاهُم اللهُ مِن عبادِه، لحملِ وتبليغِ رسالتِه، فعلى سبيلِ المثالِ: سيدُنَا إبراهيمُ، لوط، يوسفُ، يعقوبُ، أيوبُ، شعيبُ، داودُ، صالح، موسى وهارون، عيسى، عليهم جميعًا الصلاةُ والسلامُ. وتذكرُ التوراةُ مسيرةَ سيدِنَا إبراهيمَ مِن الشامِ لمصرَ عبرَ سيناءَ، وسيدَنَا موسَى حيث نزلتْ عليه التوراةُ على جبلِ الطورِ، وفيها انبجستْ اثنتَا عشرةَ عينًا لقومِه.

ويذكرُ القرآنُ الكريمُ رحلةَ سيدِنَا يوسفَ وهو طفلٌ، كما يذكرُ استقبالَ يوسفَ لأبيهِ يعقوب عندَ الحدودِ الشرقيةِ، وأنَّ يعقوبَ عليه السلامُ وجدَ ريحَ يوسفَ وهو يعبرُ أرضَ سيناءَ الحبيبةِ. قال اللهُ عزَّ وجلّ: { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ }. (يوسف : 94). يقولُ الإمامُ الواحدي:” { ولمّا فصلتْ العيرُ} خرجتْ مِن مصرَ وتحديدًا مِن عريشِ مصرَ مُتوجِّهةً إلى كنعان، { قَالَ أَبُوهُمْ } لِمَن حضرَهُ: { إنّي لأجدُ ريحَ يوسفَ} وذلك أنَّه هاجتْ الرِّيحُ فحملتْ ريحَ القميصِ واتَّصلتْ بيعقوبَ فوجدَ ريحَ الجنَّةِ، فعلم أنَّه ليس في الدُّنيا مِن ريحِ الجنَّةِ إلاَّ ما كان مِن ذلك القميصِ، {لولا أنْ تُفندُون}: تُسفِّهوني وتُجهِّلوني”.(الوجيز في التفسير).

كما عبرَ أرضَ سيناءَ المباركةِ سيدُنَا مُحمدٌ  في الإسراءِ والمعراجِ. فقد روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: ” أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ, فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ، ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا”.( النسائي والطبراني بسند فيه مقال).

 ولكلِّ ذلك جاءَ في القرآنِ الكريمِ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}. (يوسف 99).

ومنها: أنَّ بها شجرةً مباركةً: والقرآنُ الكريمُ أشارَ إلى شجرةِ الزيتونِ التي تنبتُ في سيناءَ. قال اللهُ عزّ وجلّ: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ }. المؤمنون (20).” { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ } يعني: الزَّيتون { مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني: جبلًا معروفًا، أوَّلُ ما ينبتُ الزَّيتونُ ينبتُ هناكَ { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } لأنَّه يتَّخذُ الدُّهنُ مِن الزَّيتونِ { وَصِبْغٍ } إدام { لِلْآكِلِينَ }”. (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي).

ثانيًا: جبلُ طورِ سيناءَ والتجلياتُ الربانيةُ

إنَّ جبلَ طورِ سيناءَ مِن أعظمِ الجبالِ على وجهِ الأرضِ كافةً، وهو أكثرُ الجبالِ ورودًا في القرآنِ الكريمِ، حيثُ وردَ لفظُ (الطورِ) عشرَ مراتٍ، وسُميتْ باسمهِ سورةُ الطورِ، ولأهميةِ هذا الجبلِ أقسمَ اللهُ بهِ مرتين، واللهُ عزّ وجلّ يقسمُ بمخلوقاتِه الكونيةِ ليلفتَ الأنظارَ إلى هذا الصنعِ البديعِ العجيبِ، فقدْ أقسمَ اللهُ بالليلِ، والنهارِ، والشمسِ، والبحرِ، والفجرِ، والضحَى ، وغيرِ ذلك. ومعروفٌ أنّ اللهَ إذا أقسمَ بشيءٍ مِن خلقِهِ دلَّ ذلك على أهميتِهِ وعظمتِهِ.

قال تعالى: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ}.(الطور: 1-4). وقال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}.(التين: 1-3). وهنا ربطَ بينَ جبلِ الطورِ والكعبةِ البيتِ المعمور، فالطورُ جاءَ قبلَ الكعبةِ وهي البيتُ المعمورُ، وهو نفسُ الترتيبِ في سورةِ التين، ويشيرُ إلى أنّ الطورَ شهدَ نزولَ التوراةِ للنبيِّ موسَى عليه السلامُ، وبعدَ ذلك شهدتْ مكةُ نزولَ القرآنِ على النبيِّ مُحمدٍ .

وهنا ترابطٌ وثيقٌ في رحلةِ الإسراءِ والمعراجِ بينَ المسجدِ الحرامِ والمسجدِ الأقصَى وجبلِ الطورِ، فقد تحققَ وعدُ اللهِ جلّ وعلا فكان فيما بعد بقرونٍ أنْ حدثَ الاسراءُ بخاتمِ المرسلين مِن المسجدِ الحرامِ في مكةَ، إلى المسجدِ الأقصَى، مرورًا  بجبلِ الطورِ في سيناءَ الذي نزلَ عندَهُ الرسولُ  وصلَّى ركعتين، وتلقَّى محمدٌ عليه السلامُ الكتابَ في قلبِه كما تلقَّى مِن قبلُ في نفسِ المكانِ موسَى عليه السلامُ ألواحَ التوراةِ بيدِه، يقولُ جلَّ وعلا يربطُ بينَ هذا وذاك :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}.( الإسراء 1 : 2).

إنَّ هذا الجبلَ العظيمَ (جبلَ الطورِ) هو الجبلُ الوحيدُ الذي حظيَ بالتجلياتِ الإلهيةِ والأنوارِ الربانيةِ، حينمَا واعدَ اللهُ موسَى عليه السلامُ أنْ يكلمَهُ على هذا الجبلِ. {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا ‌تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. (الأعراف: 143). ولكن موسَى عليه السلامُ لم يكتفِ بالكلامِ بل طمعَ شرفًا أنْ يتجلَّى برؤيةِ اللهِ تعالَى، ولكن طبيعةُ موسى البشريةِ لا تسطيعُ أنْ تتحملَ هذه التجلياتِ النورانيةَ، واللهُ الكريمُ لم يضعْ موسى عليه السلامُ في حرجٍ أو يردّ مطلبَهُ ومناهُ، فعلقَ رؤيتَهُ على استقرارِ الجبلِ، ليقنعَ موسَى عليه السلامُ عمليًّا أنْ طبيعتَكَ البشريةَ لا تتحملُ ذلك، فإذا كان الجبلُ الأصمُّ الشامخُ اندكَّ وصارَ رملًا ، فكيف بالإنسانِ الضعيفِ؟! وهنا أيقنَ موسَى عليه السلام بذلك، وقدّمَ اعتذارَهُ وتوبتَهُ لمولاهُ: { فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. على أنَّ ذلك لا ينفِي رؤيةَ المؤمنينَ ربّهُم في الآخرةِ، لأنّ كلَّ حياةٍ لها كنهُهَا وطبيعتُهَا، فالحياةُ الدنيا، غيرُ حياةِ البرزخِ، غيرُ الحياةِ الآخرةِ، وقد ثبتتْ الرؤيةُ في الآخرةِ بنصِّ القرآنِ والسنةِ. قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.(يونس: 26). فالحسنَى هي الجنةُ، والزيادةُ هي رؤيةُ اللهِ تعالى في الآخرةِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ : ” هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ ” قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: ” هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ ” فَقَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: ” فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ”. (متفق عليه).

ثالثًا: واجبُنَا نحوَ سيناءَ المباركةِ.

إنَّ واجبَنَا نحو مصرَنَا عامةً وسيناءَ خاصةً أنْ نحافظَ عليها وندافعَ عنها ونضحِّي مِن أجلِهَا بكلِّ غالٍ وثمينٍ، وإذا كان آباؤُنَا وأجدادُنَا قد رووا أرضَهَا بدمائِهِم شهداءَ حتى ورثناهَا بعدَهُم، فإنَّها أمانةٌ في أعناقِنَا لا ينبغِي أنْ نفرطَ فيها، أو نخونَهَا، أو نضيعَهَا بأيِّ حالٍ مِن الأحولِ أو صورةٍ مِن الصورِ.

يجبُ علينَا أنْ نحرسَهَا ليلَ نهار، وبُشرَى لِمَن يحرسُهَا أنْ لا تمسَّهُ النارُ، وفي ذلك يقولُ ﷺ: ” عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” ( الترمذي والطبراني).

إنَّ جيشَنَا العظيمَ في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». (البخاري).

وهنيئًا الشهادةَ لكلِّ مَن دافعَ عن عرضِه وأرضِه، فعن سعيدِ بنِ زيدٍ قال : “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( الترمذي وحسنه).

إنَّ جيشَنَا العظيمَ، وقيادتَنَا الباسلةَ تقفُ بالمرصادِ في وجهِ كلِّ معتدٍ غاشمٍ أرادَ التعدِّي على أرضِنَا أو مقدساتِنَا، مضحينَ بأنفسِهِم وأموالِهِم، الموتُ أحبُّ إليهم مِن الحياةِ، وهي الكلمةُ التي قالَهَا خالدُ بنُ الوليدِ رضي اللهُ عنه لملكِ الفرسِ: « قد جئتُكَ بقومٍ يحبونَ الموتَ كمَا تحبونَ الحياةَ» . (تاريخ الطبري).

كما يجبُ علينَا الاتحادُ وعدمُ الفرقةِ، تحقيقًا لقولِهِ تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. (أل عمران: 103). لأنَّ الاتحادَ قوةٌ، والتفرقَ ضعفٌ، وربُّنَا عزَّ وجلَّ حذرَنَا مِن ذلك فقالَ: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( الأنفال: 46). وعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» (أحمد وأبو داود بسند صحيح).

إنَّ جبلَ الطورِ هذا سيشهدُ يومَ القيامةِ علي نقضِ عهدِ اليهودِ، وقد تكررَ في القرآنِ تذكيرُ بني إسرائيلَ بذلك:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.(البقرة 63 ). واذكرُوا حينَ أَخَذْنَا العهدَ المؤكَّدَ منكم بالإيمانِ باللهِ وإفرادهِ بالعبادةِ، ورفعنَا جبلَ الطورِ فوقَكُم، وقلنَا لكُم: خذُوا الكتابَ الذي أعطيناكُم بجدٍ واحفظُوه، وإلّا أطبقنَا عليكُم الجبلَ، ولا تنسُوا التوراةَ قولًا وعملًا كي تتقونِي وتخافُوا عقابِي.

فعلينَا أنْ نضحِي بكلِّ غالٍ وثمينٍ في الدفاعِ عن أرضِنَا وعرضِنَا ومقدساتِنَا ومصرَنَا الحبيبةِ.

قَارَنْتُ مِصْـــرَ بِغَيْــرِهَا، فَتَدَلَّلَــتْ   *    وَعَجِـــزْتُ أَنْ أَحْظَىَ لَهَـــا بِمَثِيْــــلِ

هَــذِيْ الْحَضَـرَةُ مُعْجِزَاتٌ فيِ الـوَرَىَ   *    عَقـــــِمَ الـــزَّمَانُ بِمِثْلِــــهَا كَبَـــدِيْلِ

رَفَـــــعَ الإِلَــــهُ مَقَامَهــَا، وَأَجَــــــلَّهُ   *    فِيْ الذِّكْـــرِ، وَالتَّـوْرَاةِ، وَالإِنْجِيْـلِ

جَـــاؤا بِيُوْسُـفَ مِنْ غَيَـاهِبِ ظُلْمــَةٍ   *    أَرْضَ العَـــزِيْزِ، فَكَــــانَ خَيْـرَ نَزِيْـلِ

والنِّيْلُ يَتْبَـــعُ وَحْـــيَ مُنْشِئِ قَطْـرِهِ   *    كَالطَّيْــرِ حِيْنَ الوَحْـيِ  عَـامَ الفِيْـلِ

فيِ طُــــــوْرِ سَــــــيْنَاءٍ تَجَــــلَّىَ رَبُّــنَا   *    فـــوْقَ الكَلِيْـــــمِ، بِــــأَوَّلِ التَّنْـــزِيْلِ

نسألُ اللهَ أنْ ينصرَ الإسلامَ ويعزَّ المسلمين، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى