المراة

الشيخ جمال فراج يكتب .. نداءات القران الكريم للمؤمنين . في خطبة الجمعة

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أمَّا بعدُ:

أولًا: الفرقُ بينَ الإيمانِ والإسلامِ.

قبلَ الحديثِ عن نداءاتِ المؤمنينَ في القرآنِ الكريمِ، لابُدَّ أنْ نعرفَ الفرقَ بينَ الإسلامِ والإيمانِ، وهل أنتَ مسلمٌ أم مؤمنٌ؟!! ولماذا يُكْتَبُ في البطاقةِ الشخصيةِ والمستنداتِ عامةً ، الديانةُ: مسلمٌ ، ولا يُكْتَبُ مؤمنٌ؟!!

إنّ الإسلامَ معناه: الاستسلامُ والخضوعُ والانقيادُ لأوامرِ اللهِ تباركَ وتعالى، فهو الانقيادُ الظاهريُّ.

وأمّا الإيمانُ فمعناه: التصديقُ بالقلبِ، فهو الانقيادُ الباطنيُّ، فَخُصَّ الإسلامُ بالأعمالِ الظاهرةِ، والإيمانُ بالأعمالِ القلبيةِ التي لا يطّلِعُ عليهَا إلّا اللهُ. ففي حديثِ جبريلَ عليهِ السلامُ، لمَّا سَألَ النبيَّ : ” وَقَالَ يَا مُحَمَّدٌ: أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ صَدَقْتَ: قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ” (مسلم)، فنحنُ نرى أنّ أعمالَ الإسلامِ كلَّهَا ظاهرةٌ، وتُؤَدَّى وتُحَسُّ بإحدى الحواسِ الخمسةِ، كالشهادتينِ والصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِّ وغيرِهَا، أمّا أعمالُ الإيمانِ فكلُّهَا أعمالٌ اعتقاديةٌ قلبيةٌ لا يطلعُ عليها إلا اللهُ، كالإيمانِ باللهِ والملائكةِ واليومِ الآخرِ بما فيه مِن حسابٍ وصراطٍ وميزانٍ وجنةٍ ونارٍ وغيرِ ذلك، لذلك قيدَ اللهُ الإيمانَ بأنّه لا يكونُ إلا بالغيبِ، قال تعالي: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ }.(البقرة:3).

فالعبدُ بنطقِهِ الشهادتينِ يكونُ مسلمًا أمامَ الجميعِ، أما دخولُ الإيمانِ قلبَهُ فلا يعلمُ بهِ إلّا اللهُ، فقد يكونُ مسلمًا ومع ذلك هو منافقٌ معلومُ النفاقِ، كعادةِ المنافقينَ في عهدِ النبيِّ  ، فنحنُ لنا الظاهرُ واللهُ يتولَّى السرائرَ ، وبهذا المبدأِ كان يتعاملُ النبيُّ  مع المنافقينَ، وقد عاتبَ النبيُّ  أسامةَ بنَ زيدٍ رضي اللهُ عنه على قتلِهِ رجلًا بعدَمَا نَطَقَ بالشهادتينِ، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:” بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَطَعَنْتُهُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ؛ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ  ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ، قَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟!! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ لذلك!” (مسلم).

وقد نفىَ النبيُّ  الإيمانَ عن الأعرابِ حينما ادَّعَوْهُ وهُمْ لم يَمْتَثِلُوا بهِ أو يَعتقدُوه في قلوبِهِم؛ قال تعالى: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }(الحجرات: 14)؛ ولهذا يُكتَبُ في البطاقةِ ( مسلمٌ )، ولا يُكتَبُ (مؤمنٌ)؛ لأنّ الإيمانَ في القلبِ ولا يعلمُهُ إلا اللهُ!!

ثانيًا: وقفاتٌ وتأملاتٌ حولَ نداءتِ المؤمنين.

القرآنُ الكريمُ منهُ المكيُّ ومنهُ المدنيُّ، وأرجحُ الأقوالِ أنَّ ما نزلَ قبلَ الهجرةِ فهو مكيٌّ، وما نزلَ بعدَ الهجرةِ فهو مدنيٌّ حتى لو نزلَ بمكةَ، ومِن أشهرِ علاماتِ السورِ المدنيةِ أنَّ كلَّ سورةٍ فيها نداءٌ للمؤمنينَ فهي مدنيةٌ؛ لأنَّ الرسولَ ﷺ ظلَّ في مكةَ ثلاثةَ عشرَ عامًا يدعُو إلى عبادةِ اللهِ ومكارمِ الأخلاقِ وذكرِ الجنةِ والنارِ، ونبذِ الشركِ والأصنامِ، فلم تنزلْ التشريعاتُ والأوامرُ والنواهِي، إلَّا في المدينةِ بعدَ الهجرةِ لمَّا ثبتَ الإيمانُ في قلوبِ الجميعِ، فنادَاهُم بـ (يا أيُّها الذينَ آمنُوا)، فعن عَائِشَةَ قَالَت: ” إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا “. ( البخاري).

وعددُ نداءاتِ المؤمنينَ في القرآنِ الكريمِ تسعةٌ وثمانونَ نداءً، والملاحظُ أنَّ نداءاتِ المؤمنينَ كلَّهَا في القرآنِ جاءتْ أولَ الآياتِ في صورةِ أوامرٍ ونواهِي، عدَا نداءِ الصلاةِ على النبيِّ ﷺ، فإنَّ اللهَ تكرَّمَ وتفضَّلَ بالصلاةِ على نبيِّهِ، ثُمَّ ثَنَّى بملائكتِهِ الكرامِ، ثم أمرَنَا بعدَ ذلك بالصلاةِ عليهِ ، يقولُ اللهُ تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.( الأحزاب: 56).

 يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ تعالَى: ” وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ عِنْدَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، بِأَنَّهُ يُثْنِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ. ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى أَهْلَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، لِيَجْتَمِعَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمِينَ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ جَمِيعًا”.(تفسير ابن كثير).

ويقولُ الإمامُ أبوبكرٍ الجزائرِي رحمَهُ اللهُ: “إنَّ هذا النداءَ الكريمَ لهُ أهميتُهُ وشأنُهُ العظيمُ، وحسبُكَ أنَّ ما أمرَ اللهُ تعالى بهِ عبادَهُ المؤمنينَ كان قد فعلَهُ سبحانَهُ وتعالَى قبلَ أنْ يأمرَ بهِ عبادَهُ؛ إذ قالَ تعالَى قبلَ هذا النداءِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فأخبرَ أنَّهُ هو تعالى وملائكتُهُ يصلونَ على النبيِّ مُحمدٍ  فأينَ نحنُ أيُّها المؤمنونَ مِن عظمةِ اللهِ تعالى، وكمالِ ملائكتِه وطهارتِهِم وهم يصلونَ على النبيِّ . إذًا فأمْرُهُ تعالى لنَا بالصلاةِ على نبيِّه شرفٌ عظيمٌ لنَا، وكرامةٌ تفوقُ كلَّ كرامةٍ في هذه الحياةِ. أمَّا المصلَّى والمسلَّمُ عليهِ فلا نسأل عن كرامتِه وعلى درجتِه وسموِّ مقامِه فإنَّا لا ندركُ ذلك، ولا نقوَى على تصورِه. فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ عليهِ ما ذكركَ الذاكرون.”(نداءات الرحمن لأهل الإيمان).

إنَّ نداءاتِ القرآنِ الكريمِ والتي بدأتْ مِن سورةِ البقرةِ وانتهتْ بسورةِ التحريمِ جاءتْ بصيغةِ أوامرٍ ونواهِي (افعلْ ولا تفعلْ)، والشريعةُ الغراءُ جاءتْ لجلبِ المصالحِ ودرءِ المفاسدِ مِن خلالِ تلك الأوامرِ والنواهِي، وكلُّ ذلك فيهِ مصلحةُ العبادِ وفيهِ حِكَمٌ جليلة للتحريمِ والتحليلِ، وأنت تلمسُ ذلك في نداءاتِ المؤمنين التسعِ والثمانينَ في القرآنِ الكريمِ والتي تبدأُ بـــ (يا أيُّها الذين آمنوا )، روى ابنُ أبي حاتمٍ في تفسيرهِ، عن ابنِ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه- أنَّه قالَ: “إذا سمعتَ اللهَ يقولُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فأرعِ لهَا سمعَكَ، فإنَّه خيرٌ تُؤمرُ بهِ، أو شرٌ تُنهَى عنه.”أ.ه

ولو نظرنَا إلى هذه النداءاتِ لوجدنَا أنَّهَا أمرٌ ونهيٌ، فهي تأمرُنَا: بطاعةِ اللهِ ورسولِهِ وأولِي الأمرِ، والتأدبِ مع الرسولِ ﷺ، وتقوَى اللهِ تعالَى، والأكلِ الحلالِ، والصيامِ والصبرِ والصلاةِ والصدقِ، والدخولِ في السلمِ، والوفاءِ بالعقودِ، والركوعِ والسجودِ، والاستئذانِ عندَ دخولِ البيتِ، وذكرِ اللهِ، والتوبةِ…..إلخ

كما تنهى هذه النداءاتُ عن الأمورِ المحرمةِ: كالربَا ، والخمرِ، ومولاةِ الكافرين، وخيانةِ اللهِ ورسولِه، وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، وقتلِ الصيدِ في الحرمِ، واتباعِ خطواتِ الشيطانِ…إلخ

وبطريقةِ التتبعِ والاستقراءِ تجدُ الدليلَ على كلِّ ذلك وغيرِه مِن خلالِ نداءاتِ المؤمنينَ في القرآنِ الكريمِ.

ثالثًا: الاستجابةُ والانقيادُ للهِ تعالَى مِن خلالِ نداءاتِ المؤمنين.

لقد أمرَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ بالاستجابةِ للهِ ورسولهِ مِن خلالِ نداءاتِ المؤمنينَ في القرآنِ الكريمِ، وأخبرَنَا أنَّ في ذلك حياتَنَا، قال تعالى:{يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا استَجِيُبوا للهِ وللرَّسولِ إذَا دعاكُم لما يُحْيِيكمْ} (الأنفال: 25)؛ ” قال السُّدِّيُّ: { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ففي الإسلامِ إحياؤُهُم بعدَ موتِهِم بالكفرِ “. (تفسير ابن كثير)؛ وقال الشيخُ السعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالَى في تفسيرهِ: “يأمرُ اللهُ تعالَى عبادَهُ المؤمنين بمَا يقتضيهِ الإيمانُ منهم وهوَ الاستجابةُ للهِ و للرَّسولِ، أيْ : الانقيادُ لما أمرَا بهِ، و المبادرةُ إلى ذلكَ، والدعوةُ إليهِ، والاجتنابُ لما نهيَا عنه، والانكفافُ والنهيُ عنه”.أ.ه

فالمستجيبُ حيٌّ، فعلى قدرِ الاستجابةِ تكونُ الحياةُ، فهي مراتبٌ، كلمَا زادَ العبدُ في الاستجابةِ للهِ وطاعةِ أوامرهِ كلمَا زادَهُ اللهُ هدايةً وتوفيقًا. وقد شبَّهَ اللهُ المستجيبَ لنداءِ اللهِ ورسولهِ بالحيِّ، والذي لا يستجيبُ بالميتِ فقالَ تعالَى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (الأنعام: 36).

وقد عاتبَ النبيُّ  رجلًا أبطأَ في إجابتهِ  – مع أنَّه كان في الصلاةِ -، فَعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ:” كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ  فَلَمْ أُجِبْهُ؛ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ:{ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }”.(البخاري). وهذا دليلٌ على أنَّهُ يجبُ على المسلمِ أن يمتثلَ أوامرَ اللهِ، وأنْ يجتنبَ نواهيَهُ، وأنْ يحذرَ مِمّا خالفَ النصوصَ الشرعيةَ من قرآنٍ وسنةٍ.

ولقد ذُكرَتْ عباراتٌ كثيرةٌ تدلُّ على سرعةِ استجابةِ الصحابةِ لأوامرِ اللهِ ورسولهِ، كما في السنةِ المطهرةِ :” سمعًا وطاعةً للهِ ورسولهِ”. ” بأبِي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللهِ” أي : أفديكَ بأحبِّ الناسِ إلىَّ في الحياةِ وهم أبِي وأمِّي.

إنَّ الاستجابةَ مِن سماتِ وصفاتِ المؤمنين كما ذكرَ القرآنُ الكريمُ. قالَ تعالَى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}. (الشورى: 26). وقالَ جلَّ شأنُهُ: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}. (النور: 51، 52). وقالَ سبحانَهُ وتعالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب: 36) هذه الاستجابةُ، وذلك التسليمُ، الذي أقسمَ اللهُ تعالَى بنفسهِ على نفيِ الإيمانِ عمَّن لا يملكُهُ في قولهِ تعالَى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما}. (النساء: 65).

فلتكنْ دائمَ الاستجابةِ والانقيادِ لأوامرِ اللهِ وأوامرِ رسولهِ ، من خلال نداءات المؤمنين في القرآن الكريم.

وفي الختامِ أكتفِي بذكرِ نموذجينِ اثنينِ ومدَى استجابةِ الصحابةِ واستجابتِنَا على أرضِ الواقعِ.

النموذجُ الأولُ: سرعةُ الاستجابةِ لأمرِ تحريمِ الخمرِ: لمَّا نزلَ قولُهُ تعالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (المائدة: 90)؛ أخذَ هذه الآيةَ بعضُ الصحابةِ وذهبَ بها إلى أماكنَ شربِ الخمرِ بالمدينةِ ليبلغَهُم التحريمَ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ، وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ، قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ القِلاَلَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ ” (البخاري).

 فانظرْ كيفَ كانتْ الخمرُ شرابَهُم منذُ سنينَ طويلةٍ، ومع ذلك استجابُوا للهِ ولرسولهِ مع أوّلِ خبرٍ؟!!

 قارِنْ بينَ ذلك وبينَ مَن يتلُوا آياتِ تحريمِ الخمرِ ويسمعُهَا ليلًا ونهارًا ، ومع ذلك يدمنُ الخمورَ والمخدراتِ!!

النموذجُ الثانِي: سرعةُ الاستجابةِ لأمرِ الحجابِ: فعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَذَكَرْنَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَفَضْلَهُنَّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ لَفَضْلًا وَإِنِّي -وَاللَّهِ – مَا رَأَيْتُ أفضلَ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ أَشَدَّ تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ. لَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، انْقَلَبَ إِلَيْهِنَّ رِجَالُهُنَّ يَتْلُونَ عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِيهَا، وَيَتْلُو الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ ذِي قَرَابَةٍ، فَمَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا قَامَتْ إِلَى مِرْطها المُرَحَّل فَاعْتَجَرَتْ بِهِ، تَصْدِيقًا وَإِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ، فأصبحْنَ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ  الصُّبْحَ مُعْتَجَرَاتٍ، كأنَّ على رؤوسهِنَّ الغربانً.” (تفسير ابن كثير؛ و أخرجه أبو داود بنحوه بسند صحيح).

لقد نزلتْ آيةُ الحجابِ في المساءِ، وأخبرَ كلُّ صحابيٍّ أهلَهُ، وجاءتْ النساءُ في صلاةِ الفجرِ خلفَ النبيِّ  محتجباتٌ، كأنَّ على رؤوسهنَّ الغربانَ، قال ابنُ قتيبةَ في غريبِ الحديثِ والأثرِ:” فأصبحنَ على رؤوسِهِنَّ الغربان: أي أنَّ المروطَ كانت مِن شعرٍ أسودٍ، فصارَ على الرؤوسِ منهَا مثلُ الغربانِ”. أ.ه

قارنْ بينَ ذلك وبينَ نساءِ المسلمين في هذه الأيامِ، والمرأةُ تخرجُ مِن بيتِهَا كاسيةً عاريةً متعطرةً تحيطُ بها شياطينُ الإنسِ والجنِّ مِن كلِّ مكان!!! وهي تتلُوا آياتِ اللهِ التي نزلتْ منذُ أكثرَ مِن أربعةِ عشرَ قرنًا مِن الزمانِ.

 أمَّا نساءُ الأنصارِ فاستجبنَ مِن خلالِ سوادِ الليلِ!!! فأين نحن مِن هؤلاءِ!!

نسألُ اللهَ أنْ يثبت قلوبنا على الإيمان، وأنْ يحفظَ مصرنَا  مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى