اخر خبريوميات الشارع

الشيخ جمال فراج يكتب السخرية والتنمر في خطبة الجمعة

أولًا: مفهومُ التنمُّرِ وصورُهُ وأشكالُهُ.

إنَّ الدينَ الإسلامِيَّ الحنيفَ دينٌ يدعُو إلى القيمِ والأخلاقِ الفاضلةِ، وينهَى عن سيءِ الأخلاقِ، ولأهميةِ الأخلاقِ كانتْ الدعوةُ الإسلاميةُ في مكةَ ثلاثةَ عشرَ عامًا منحصرةً في عبادةِ اللهِ تعالى وغرسِ مكارمِ الأخلاقِ.

ومِن أهمِّ الظواهرِ الاجتماعيةِ المعاصرةِ التي ينهَى عنهَا الشارعُ الحكيمُ ( ظاهرةُ التنمُّرِ).

وتُشتقُّ كلمةُ التنمُّرِ لغُويًّا مِن اللفظِ نَمِرَ بمعنى غضِبَ وساءَ خُلقُهُ وأصبحَ يُشبهُ النمرَ الغاضبَ.

ويُعرّفُ التنمُّرُ بأنَّهُ: شكلٌ مِن أشكالِ الإيذاءِ والمضايقةِ المُتعمّدةِ مِن فردٍ أو مجموعةٍ لشخصٍ مَا باستخدامِ الكلماتِ اللفظيّةِ البذيئةِ بشكلٍ متكررٍ، أو التسبّبِ بالإيذاءِ الجسدِي، أو النفسِي، أو الاجتماعِي، باستغلالِ قوتِهِم وسلطتِهِم، وضعفِ الضحيّةِ وعدمِ قدرتِهَا على إيقافِهِم. ويكونُ التنمُّرُ غالبًا بينَ الأطفالِ.

وظاهرةُ التنمُّرِ قديمةٌ متجددةٌ عبرَ العصورِ والقرونِ، مِن لدن آدمَ عليهِ السلامُ إلى يومِنَا هذَا، فهذا قابيلُ تنمَّرَ على  أخيهِ هابيلَ فحسدَهُ، وتوعدَهُ بالقتلِ  -كما قصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ- فقتلَهُ. وفي ذلك يقولُ : «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ». (متفق عليه) .

كذلك تنمَّرَ إخوةُ يوسفَ عليهِ فتنكّرُوا لهُ بعدمَا رأَوا حبَّ أبيهِ لهُ، وعزمُوا على التخلصِ منهُ. قالَ تعالَى: {إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ} .(يوسف 8 ، 9).

كذلك تنمَّرَ المنافقونَ – في عهدِ الرسولِ ﷺ- باللمزِ مِن المتصدقينَ المقلينَ منهُم والمكثرين. فعن أبي مسعودٍ قال: لمَّا نزلتْ آيةُ الصدقةِ كُنَّا نتحاملُ على ظهورِنَا، فجاءَ عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ فتصدّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالُوا: مُرائِي. وجاءَ رجلٌ اسمُهُ ( أبو عقيل ) فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لغنيٌّ عن صدقةِ هذا الصعلوكِ. فنزلتْ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ( التوبة: 79). قالَ ابنُ كثيرٍ:” وهذه أيضًا مِن صفاتِ المنافقين: لا يسلمُ أحدٌ مِن عيبِهِم ولمزِهِم في جميعِ الأحوالِ، حتى ولا المتصدقونَ يسلمونَ منهم، إنْ جاءَ أحدٌ منهُم بمالٍ جزيلٍ قالُوا: هذا مراءٍ، وإنْ جاءَ بشيءٍ يسيرٍ قالوا: إنَّ اللهَ لغنيٌ عن صدقةِ هذا الصعلوكِ “.

والتنمُّرُ له عدةُ أنواعٍ وصورٍ وأشكالٍ، منهَا ما يأتي:

التنمُّرُ الجسدِيُّ: وهو تعرّضُ الشخصِ باستخدامِ القوةِ الجسديةِ ضدَّ الآخرِ، كالضربِ، أو الدفعِ، أو العرقلةِ.

التنمُّرُ العاطفِيُّ أو النفسِيُّ: ويقومُ على استفزازِ الشخصِ بالشتائِمِ المؤذيةِ والألفاظِ والتعليقاتِ الساخرةِ.

التنمُّرُ الاجتماعِيُّ: ويتمثّلُ بالإساءةِ للشخصِ مِن خلالِ نشرِ الإشاعاتِ عنهُ، والتحريضِ ضدَّهُ.

التنمُّرُ العنصرِيُّ: ويهدفُ إلى السخريةِ، والاستهزاءِ بشخصٍ ما بسببِ انتمائِهِ لعرقٍ أو دِينٍ أو سُلالةٍ ما.

التنمُّرُ الإلكترونِيُّ: ويهدفُ إلى الإساءةِ لشخصٍ ما باستخدامِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعِيِّ، بنشرِ معلوماتٍ غيرِ صحيحةٍ عن الضحيّةِ، ومشاركةِ الصورِ ومقاطعِ الفيديُو الخاصةِ بهِ، وتشويهِ صورتِهِ.

التنمُّرُ اللفظِيُّ: ويشملُ التنمُّرَ الذي يُصدِرُهُ الأفرادُ شفهيًّا، مثل: التشهيرُ بالألقابِ، أو التهديدُ بالضربِ، أو السخريةُ والشتمُ بالألفاظِ الدنيئةِ، أو التعليقاتُ ذاتُ الطابعِ الجنسِي.

وقد جمعَ اللهُ معظمَ صفاتِ التنمُّرِ في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (الحجرات: 11). يقولُ ابنُ كثيرٍ” الآيةُ تنهَى عن الاستهزاءِ بالآخرينَ أو إهانتِهِم، كما تنهَى الآيةُ عن لمزِ الناسِ، بأنْ نقولَ لهُم ما يُهينُهُم، أو يُحقّرُهُم ويصغّرُهُم، وتنهَى أيضًا عن التنابزِ بالألقابِ، فلا يجوزُ مناداةُ الأشخاصِ بأسماءٍ، أو صفاتٍ سيئةٍ يكرهونَ سماعَهَا.( تفسير ابن كثير ). فهذه الصفاتُ تربطُهَا علةٌ واحدةٌ، وهي استحقارُ الآخرينَ والتنمُّرُ بهِم والتنقيصُ مِن شأنِهِم وقدرِهِم.

ثانيًا: آثارُ التنمُّرِ على الفردِ والمجتمعِ.

للتنمُّرِ والسخرية آثارٌ كثيرةٌ متنوعةٌ – نفسيةٌ وجسديةٌ واجتماعيةٌ واقتصاديةٌ وعلميةٌ –  منها:

 زيادةُ الأذَى النفسِي: والشعورُ بالاكتئابِ وقلةُ احترامِ الذاتِ، والإصابةُ بالتوحّدِ والانعزالِ عن المجتمعِ، كمَا أنَّ ضحايا التنمُّرِ معرّضونَ للانتحارِ بسببِ الاكتئابِ المزمنِ الذي ينتجُ عنهُ الأفكارُ الانتحاريةُ وإيذاءُ النفسِ.

ومنها: انخفاضُ التحصيلِ الدراسِي: وذلك بسببِ كرهِ الطفلِ للمدرسةِ التي يتعرّضُ فيها للتنمُّرِ، وكثرةُ التغيبِ بسببِ المضايقاتِ، وقد يصلُ بهِ الحالُ إلى الرغبةِ بتركِ المدرسةِ بشكلٍ نهائِي.

ومنها: الانخراطُ بسلوكِ الجريمةِ: مثلُ السرقةِ، وتعاطِي المخدراتِ والكحولِ في مرحلةِ المراهقةِ، وممارسةُ أعمالِ العنفِ وتخريبُ الممتلكاتِ العامةِ أو المدرسيةِ.

ومنها: التأثيرُ على الأداءِ الوظيفِي: وعدمُ القدرةِ على العملِ، وصعوبةُ اتخاذِ القرارِ مِمّا يقللُ الإنتاجيةَ.

ومنها: إلحاقُ المتنمَّرِ عليهِ بالضررِ والأذَى: سواءٌ الضررُ الجسدِي أو النفسِي، نتيجةً لِمَا تعرضَ لهُ مِن جراحاتِ اللسانِ، وأذَى الأبدان. وقد يستمرُّ أثرُ ذلك مدَى الدهرِ. وصدقَ مَن قالَ:

وَقَدْ يُرجىٰ لِجُرحِ السيفِ برءٌ ……….وَلا برءٌ لِما جَرَحَ اللسانُ

جِراحات السِّنانِ لها التِئامٌ  ………. وَلا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ

وَجرحُ السيفِ تدملُهُ فَيَبْرىٰ  ……….  وَيبقىٰ الدهرُ ما جَرَحَ اللسانُ

ثالثًا: علاجُ ظاهرةِ التنمُّرِ والسخرية.

لعلاجِ ظاهرةِ التنمُّرِ والسخرية والقضاءِ عليهما ومواجهِتِهما عدةُ وسائلَ منهَا:

توعيةُ الأبناءِ بحرمةِ التنمُّرِ: يجبُ على الأهلِ القيامُ بدورِهِم بتربيةِ أبنائِهِم على الأخلاقِ الإسلاميةِ الحسنةِ الطيبةِ، والبعدِ عن الأخلاقِ السيئةِ، والحذرِ مِن التقصيرِ في ذلك، وأنّهُم محاسبونَ على عدمِ تربيةِ أبنائِهِم على القيمِ والأخلاقِ الإسلاميةِ، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.( التحريم: 6)، وقالَ رسولُ اللهِ : ” كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ”. (البخاري).

ومنها: الاهتمامُ بتعليمِ الأبناءِ طرقِ مواجهةِ التنمُّرِ: حتى يتمكنُوا مِن الدفاعِ عن أنفسِهِم ضدَّ التنمُّرِ ومواجهةِ الأشخاصِ المتنمّرينَ، بطرقٍ شرعيةٍ دونَ إساءةٍ أو سبٍّ أو تجريحٍ، وهذا ما بيّنَهُ الرسولُ  للسيدةِ عائشةَ رضي اللهُ عنها حينمَا تنمَّرَ عليهِ اليهودُ، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ  فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : يَا عَائِشَةُ «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» قَالَتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ». (مسلم).

ومنها: التحذيرُ والبعدُ عن سيءِ الأخلاقِ: فقد نهانَا الرسولُ  عن جميعِ الصفاتِ التي تُؤدِّي إلى التنمُّرِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».(البخاري).

ومنها: تنشئةُ الأفرادِ على المساواةِ: وعدمِ التفرقةِ العنصريةِ بينَ الأفرادِ؛ لأنَّ ذلك مِن أفعالِ الجاهليةِ، فعَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ : «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». (متفق عليه). يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ:” فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرَّقِيقِ وَتَعْيِيرِهِمْ بِمَنْ وَلَدَهُمْ، وَالْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَيَلْتَحِقُ بِالرَّقِيقِ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَغَيْرِهِ. وَفِيهِ عَدَمُ التَّرَفُّعِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالِاحْتِقَارِ لَهُ.” (فتح الباري).

ومنها: معرفةُ أنَّ تجنبَ إيذاءِ الغيرِ نجاةٌ مِن النارٍ وطريقٌ إلى الجنةِ، فعن أبي ذرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِاللهِ» قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ مَعَ الْإِيمَانِ عَمِلٌ، قَالَ: «يُرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللهُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا، لَا يَجِدُ مَا يُرْضَخُ بِهِ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَيِيًّا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: «يَصْنَعُ لِأَخْرَقَ» ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَخْرَقَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا؟ قَالَ: «يُعِينُ مَغْلُوبًا» ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا؟ فَقَالَ: «مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ فِي صَاحِبِكَ، مِنْ خَيْرٍ تُمْسِكُ الْأَذَى، عَنِ النَّاسِ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَفْعَلُ خَصْلَةً مِنْ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» (الطبراني واللفظ له والحاكم وصححه ووافقه الذهبي). والترضيخُ: الصدقةُ اليسيرةُ، والأخرقُ: الذي لا يحسنُ كسبَهُ ولا يستطيعُ عملًا. فالحديثُ يجعلُ كفَّ الأذَى مِن موجباتِ دخولِ الجنةِ، والنجاةِ مِن النارِ.

ومنها: الحثُّ على سلامةِ اليدِ واللسانِ: فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». (متفق عليه). يقول ابنُ رجبٍ: ” يقتضِي حصرُ المسلمِ فيمَن سلمَ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ، والمرادُ بذلك المسلمُ الكاملُ الإسلام، فمَن لم يسلمْ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ فإنَّهُ ينتفِي عنه كمالُ الإسلامِ الواجب، فإنَّ سلامةَ المسلمينَ مِن لسانِ العبدِ ويدهِ واجبةٌ، فإنَّ أذَى المسلمِ حرامٌ باللسانِ وباليدِ، فأذَى اليدِ: الفعلُ، وأذَى اللسانِ: القولُ.” (فتح الباري لابن رجب).

أختمُ بقولِ الإمامِ الشافعِيِّ رضي اللهُ عنهُ في السلامةِ مِن ظاهرةِ التنمُّرِ:

إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليمًا مِن الأذَى …………وَدينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ

لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ …………..فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ

وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً …………..فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ

وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى ……….ودَافعْ ولكنْ بالتي هِيَ أحسَنُ

وهكذا بالأخلاقِ الحسنةِ واتباعِ أوامرِ القرآنِ والسنةِ، نقضِى على ظاهرةِ التنمُّرِ والسخريةِ، ويعيشُ الجميعُ في محبةٍ وإخاءٍ.

اللهّمَّ كما حسَّنْتَ خَلْقَنَا فحَسِّنْ أخلاقَنَا، اللهُمَّ اهدنَا لأحسنِ الأخلاقِ لا يهدِي لأحسنِهَا إلَّا أنت، واصرفْ عنَّا سيئَهَا لا يصرفُ عنَّا سيئَهَا إلَّا أنت.!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى