اخر خبرالمقالاتيوميات الشارع

في ذكرى ميلاده .. محمد حسين هيكل .. صاحب العبقريات .. الروائي السياسي المصري الوديع

كتب سيد ابوسيف

حين يجمع القاصي والداني علي حب واخترام شخصية رغم وجود اهتلافات فكرية  فان تلك الشخصية لابد ان تمتع بمواصفات خاصة و يجمع كثير من المعاصرين للدكتور محمد حسين هيكل على أنه كان وديع النفس، جم الأدب، يميل إلى الدعابة في مجالسه، حاضر البديهة والمنطق الأدبي السليم، مثالاً للتواضع، لم تغير المناصب شيئًا من أخلاقه.

قمن هو محمد حسين هيكل ؟

وُلد محمد حسين هيكل في 20 أغسطس 1888، في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية. ونشأ في أسرة على جانب من الجاه والثراء، والتحق بكتاب القرية، حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ولما بلغ السابعة التحق بمدرسة الجمالية الابتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، وحصل على شهادتها الابتدائية سنة 1901، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها سنة 1905، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وفي أثناء هذه الفترة توثقت صلته بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، فأكبَّ على قراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة 1909 سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراة.

واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسي بعد أن أتقن الفرنسية وأصبح عسيرها ميسورًا له، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار. وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة باريس سنة (1331هـ = 1912م) عن دين مصر العام.

الصحافة والسياسة

ولما عاد هيكل من باريس اشتغل بالمحاماة في مدينة المنصورة فترة قصيرة، ثم تركها بعد اختياره للتدريس في الجامعة سنة 1917، ولم ينقطع طوال عمله عن ممارسة العمل الصحفي، وكتابة المقالات السياسية والفصول الأدبية في جريدة الأهرام، وجريدة الجريدة صحيفة حزب الأمة التي كان يرأسها أحمد لطفي السيد، ثم تخلص هيكل من قيد الوظيفة واستقال من الجامعة سنة 1922 وتفرَّغ للعمل السياسي، وترأس تحرير جريدة السياسة لسان حزب الأحرار الدستوريين الذي تكوَّن في هذه السنة، وكان هيكل أحد أعضاء مجلس إدارته ومن نجومه اللامعين.

ولما أنشأ الحزب جريدة أسبوعية باسم “السياسة الأسبوعية” تولَّى هيكل رئاسة تحريرها سنة 1926، وكانت ميدانًا لنشر البحوث الأدبية والتاريخية والسياسة، وتولَّى تحريرها والكتابة فيها نفر من كبار الكتاب وأئمة الأدب، مثل: طه حسين، وتوفيق دياب، ومحمود عزمي، ومحمد عبد الله عنان، وعبد العزيز البشري، وشهدت صفحاتها معارك فكرية حامية، مثل معركة الشعر الجاهلي التي فجَّرها طه حسين، وعلى صفحاتها نشر هيكل فصولاً من كتابه “حياة محمد”.

وزارة المعارف

ثم وقع عليه الاختيار ليعمل وزيرًا للمعارف في الوزارة التي شكلَّها محمد محمود باشا سنة 1938، لكن حياتها كانت قصيرة فاستقالت في السنة التالية، ثم عاد وزيرًا للمعارف للمرة الثانية سنة 1940 في وزارة حسين سري، وظلَّ بها حتى سنة 1942، ثم عاد وتولى هذا المنصب مرة ثالثة في سنة 1944، وأضيفت إليه وزارة الشؤون الاجتماعية سنة 1945.

كما اختير سنة 1941 نائبًا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943، وظلَّ رئيسًا له حتى ألغيت الأحزاب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وفيما بين ذلك تولى رئاسة مجلس الشيوخ 1945 وظل يمارس رئاسة هذا المجلس التشريعي أكثر من خمس سنوات أرسى خلالها تقاليد دستورية أصيلة بمعاونة بعض أعضاء المجلس.

وتولَّى هيكل تمثيل مصر في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية سنة 1945، كما تولى تمثيلها في كثير من المحافل الدولية، فمثلها رئيسًا لوفد مصر في الأمم المتحدة أكثر من مرة سنة 1946 وما بعدها، وكانت له مواقف محمودة في قضيتي مصر وفلسطين.

                             التاريخ الإسلامي

كتاب بعنوان الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسةتأثَّر الدكتور هيكل بالحضارة الغربية ومنجزاتها، فجاش قلمه وهو في فرنسا بمقالات تمجد الحضارة الحديثة، وتتخذ من أدباء فرنسا ومفكريهم موضعًا لتحليله الأدبي، وخصّ جان جاك روسو بمقالات تحليلية، جمعها بعد ذلك في كتاب بعد عودته إلى مصر، ثم تزعزعت ثقته بالحضارة الغربية بعد الحرب العالمية الأولى، وشاهد دعاة الحضارة والإنسانية يتحولون إلى وحوش كاسرة لا تراعي حقًّا للشعوب ولا تحترم عهدًا، ولا تقيم وزنًا لحقوق الإنسان، ثم ولَّى وجهه شطر الحضارة الفرعونية القديمة، فانخدع هيكل بدعاتها، وكانت أنفسهم تنطوي على فكرة خبيثة تستهدف بالحديث عن عظمة الحضارة الفرعونية توهين رابطة مصر بالإسلام، وإثارة النزعة الوطنية.

كتاب بعنوان في منزل الوحيثم قطع ذلك كله حملة التنصير المسيحي التي اجتاحت مصر سنة 1933 ورأى نفرًا من أصحاب الأقلام يهونون من شأنها، فاندفع هيكل وكان قد استبان له الطريق يهاجم في ضراوة حملات المنصرين، ويوجه نقدًا صارخًا للحكومة على صمتها المهين على ما يحدث في أرض الكنانة، وبدلاً من أن تواجه الحكومة هذه الحملات التي نشط بعضها في أنحاء مصر استدعت هيكل للتحقيق معه، وحكم عليه بغرامة مالية بتهمة الوقيعة بين الأديان، بعد أن جاهر بأن إدارة الأمن الإنجليزي في وزارة الداخلية المصرية هي التي تتحمل تبعة هذه الجرائم.

هذا الرد من الحكومة دعا هيكل إلى التفكير بطريقة أخرى فرأى في العودة إلى التراث العربي والإسلامي وتقديمه الدفاع المناسب عن الهوية والتراث، فكانت كتبه الكثيرة التي مثلت المرحلة الثالثة من مراحل فكره، وفي هذا يقول[1]:

«وكان من أثر هذه الحركة التنصيرية وموقفي منها أن دفعني للتفكير في مقاومتها بالطريقة المثلى التي يجب أن تقاوم بها، ورأيت أن هذه الطريقة المثلى توجب عليَّ أن أبحث حياة صاحب الرسالة الإسلامية ومبادئه بحثاً علميًّا، وأن أعرضه على الناس عرضاً يشترك في تقديره المسلم وغير المسلم»
.

                 حياة محمد كتاب بعنوان حياة محمد

وكان كتابه الكبير حياة محمد هو باكورة أعماله الإسلامية، تناول فيه بأسلوب طلي حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وردّ على آراء المتجنين من كتاب الغرب على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في منطق وبراعة، وختم كتابه بمبحثين عن الحضارة الإسلامية كما صوَّرها القرآن الكريم ومقارنتها بالحضارة الغربية، وخصَّص البحث الآخر للرد على مزاعم بعض المستشرقين حول بعض المواقف الإسلامية.

وأحدث ظهور الكتاب دويًّا هائلاً، وأقبل الناس على قراءته على نحو غير مسبوق، وتناوله المفكرون والكتاب فأنصفه بعضهم، وغض من قيمته آخرون، لكن على أية حال كان الكتاب فتحًا جديدًا في كتابة السيرة النبوية على هذا النحو الشائق الذي جعل فضيلة الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي يكتب مقدمة للكتاب، جاء فيها: “وقد وُفِّق الدكتور هيكل في تنميق الحوادث، وربط بعضها ببعض، فجاء كتابه عقدًا منضدًا وسلسلة متينة محكمة الحلقات، يجعل القارئ مطمئن النفس رضي القلب ليستمتع بما يقرأ”.

ثم أتبع كتابه “حياة محمد” بكتاب بديع عن رحلته في أرض الحجاز بعنوان “في منزل الوحي”، كتبه بأسلوب رفيع، ووقف على الأماكن التي وقف فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلمس سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستخلص العبرة والمثل، والكتاب يجمع بين المشاهدة العيانية، والبحث التاريخي، والرؤية العاطفية في بيان خلاب، وعناية بأدق التفاصيل.

كتاب بعنوان الصديق أبو بكركتاب بعنوان الفاروق عمر ثم استكمل الكتابة بعد تناول سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديث عن خلفائه، فأخرج كتابيه الصديق أبو بكر، والفاروق عمر، ففتح المجال لكتابة التاريخ الإسلامي بعد أن عبَّد الطريق لمن جاء بعده ليرتادوا سبيلاً مهَّده بقلمه وعقله، والكتابان ليسا ترجمة للصحابيين الجليلين، وإنما هما تأريخ للعصر، وعرض لتطوره، وبيان لحركته.

ولم يسلم الكتابان من نقد وجِّه إليهما، بعضه كان مغاليًا مسرفًا في النقد، غير أن معظمه جاء ليقوِّم الكتاب لا ليهدمه، ويبين جوانب تميزه لا ليغمطه حقه، وحسب الكتابان أنهما لا يزالان حتى اليوم مرجع الباحثين ومهوى القراء، بعد أن حبَّبهم هيكل في مطالعة صحائف العزَّة، ودروس المجد، وأمثلة الكرامة في أعمال قادة الإسلام وأئمته.

حياته الأدبية والفكرية

كتاب بعنوان الإيمان والمعرفة والفلسفةشهدت الحياة الفكرية لهيكل العديد من التغيرات، ولكن الانقلاب الكبير من العقلية التغريبية إلى معاداة الغرب هو أكبر معالم التغيرات في حياة محمد حسين هيكل الفكرية.

ففي القسم الأول من حياته كان مؤمناً بالقيم الغربية والنزعة الفرعونية/المصرية التي كانت تنميها الثقافة الفرنسية والإنگليزية في حياة المصريين. ولذلك وقف كل المواقف المؤدية إلى تعزيز الهوية المصرية وقطع صلتها مع العروبة والإسلام، فآزر في هذا الاتجاه علي عبد الرازق وطه حسين وأحمد لطفي السيد في دعوتهم إلى النزعة المصرية وتمثل قيم الحضارة الغربية بعُجَرِها وبُجَرِها من دون أن يرى فيها أي خلل أَو نقص أَو خطأ.

ولكن هذه القناعة سرعان ما تزلزلت عندما نظر محمد حسين هيكل إلى الغرب بعين فاحصة لسلوكه وقيمه وأخلاقه؛ لقد كانت الحرب العالمية الأولى هي التي أثارت هيكل فرأى الوحشية الغربية، ورأى ازدواجيتها في قيمها وأخلاقها وعاداتها، ورأى أن الحرية التي تدعو إليها باطلة لا أساس لها من الصحة لأن الغرب لا يرعى حرمة أحد ولا قيمه، يطالب الجميع باحترام قيمه.

كتاب بعنوان ثورة الأدب

ثورة الأدب

كتابه ثورة الأدب كان أكثر كتبه تعبيراً عن هذه المرحلة وطبيعتها، ففيه يبدو واضحاً التأصيل للهوية المصرية المستقلة عن العرب، ولم ينقصه في هذا المجال التركيز على الحرية والإيمان بها والدعوة إليها بمختلف صورها وأشكالها وخاصة منها حرية العقل والتفكر والبحث العلمي ولكنه سرعان ما استنكر النزعة الفرعونية عندما أدرك أن أصحابها ينفخون في هذه النزعة التعظيمية للفرعونية ليس لما للفراعنة من قيمة وإنَّمَا لقطع الصلة مع العرب والإسلام فقط فانقلب على هذه النزعة أيضاً.

صاحب أول رواية عربية

كتاب بعنوان زينب

وكانت القصة أول ميدان يرتاده الدكتور هيكل، فكتب قصته زينب وهي أشهر أعماله هيكل الثقافية، وقد تختلف الأقوال حول قيمتها الفنية وجوانبها المختلفة، لكنها تتفق في كونها أول رواية عربية تلتزم بقواعد القصة الفنية، وأنها كانت بداية الانطلاق لأعمال روائية لكبار الكتاب من أمثال العقاد، وطه حسين، والمازني، وتوفيق الحكيم، حتى بلغت النضج وقاربت الكمال على يد نجيب محفوظ الذي أخلص لعمله القصصي فلم ينشغل بما سواه، على النقيض من هؤلاء الرواد، الذين كانت لهم اهتمامات مختلفة، وإسهامات متنوعة في ميادين الأدب والفكر.

وكما بدأ هيكل حياته كاتب قصة ضمنها أيضًا بقصته “هكذا خلقت”، وفيما بين هذين العملين كتب فصولاً قصصية نشرها في بعض الصحف، وضمتها بعض كتبه، مثل: ثورة الأدب، وفي أوقات الفراغ .

مذكرات في السياسة المصرية

كتاب بعنوان شرق وغربوإلى جانب هذه الأعمال الإبداعية والفكرية كتب الدكتور هيكل كتابه مذكرات في السياسة المصرية خرج جزءان منها في حياته، وصدر الجزء الثالث بعد وفاته، وهذا الكتاب من أهم أعمال هيكل، وتبدأ المذكرات بنشأة صاحبها السياسية عام 1912، وينتهي الجزء الأول منها بتوقيع معاهدة 1936، ويبدأ الجزء الثاني منها وينتهي بقيام ثورة 1952، حيث يبدأ الجزء الثالث. وهذه المذكرات مرجع هام في التاريخ السياسي المصري، وإن كان الحياد فيها عسيرًا؛ لأن لصاحبها موقفًا ورأيًا، وعلى الرغم من أهميتها فلا يمكن الاعتماد عليها وحدها دون الرجوع إلى المصادر الأخرى؛ لأن المؤلف كتبها ببراعة فائقة قد تنزلق إليها قدم الباحث العجول الذي لا يمتد بصره إلى غيرها من المصادر.

وإلى جانب ذلك له عدد من الكتب الأخرى مثل: في أوقات الفراغ، وعشرة أيام في السودان، وشخصيات مصرية وغربية، وولدي، والشرق الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى